إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
مواعظ وذكرى
6558 مشاهدة
الصراط

كذلك أيضا قد أخبر الله تعالى بأن الناس يسلكون الصراط السوي، وأنهم يمشون عليه، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا بأن الصراط يمشون عليه في الدار الآخرة، وأنهم يمرون على النار؛ ورد في ذلك الصراط الذي يمشون عليه أن ارتفاعه مسيرة ألف سنة، وانبساطه مسيرة ألف سنة، والنزول فيه مسيرة ألف؛ ولكن يقطعه المؤمن في أسرع وقت، أن الناس يمرون على الصراط الذي هو منصوب على متن جهنم؛ فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل والركاب، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، وعلى جنبتي الصراط كلاليب مثل شوك السعدان تخطف من أمرت بخطفه؛ فناج مسلم، ومخدوش، ومكردس في النار ؛ يعني في حالة مرورهم على هذا الصراط الذي هو منصوب على متن جهنم، على جنبتيه كلاليب.
الكلاليب: هي حديد، أو مسامير من حديد لها أطراف معكوفة، واحدها كلوب، ورأسه محدد ولكنها عظيمة؛ فتخطف من أمرت بخطفه، فمن اختطف فإنه يسقط في النار، وأما المؤمنون فإنهم يمرون عليه مرا سريعا، لا يحسون به وهو منصوب على متن جهنم، فتقول جهنم للمؤمن: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي؛ أي أن المؤمن له نور لا يضره مروره على متن جهنم؛ أي على ظهرها.
لا شك أن هذا مقام مخوف، وأن المؤمن يهمه هل يعبر هذا الصراط أم لا؟ وفسر بذلك قول الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ؛ أي وارد النار: كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا فمن سقط على الصراط في النار فإنه إما أن يكون مخلدا فيها، وإما أن يخرج منها بعدما يمحص بعد مدة قصيرة، أو طويلة.